على الرغم من إمكانية التصدي للطائرات الكبيرة بدون طيار بواسطة التقنيات التقليدية المضادة للطائرات، فإن التصدي للطائرات الصغيرة المسيرة ينطوي على تحديات متعددة، إذ يصعب رؤية هذه الطائرات بالعين المجرّدة حتى من مسافات قريبة.
ولأن الطائرات المسيرة الحديثة غير قابلة للكشف بشكل عام بواسطة رادارات الدفاع الجوي المصممة أصلاً للكشف عن الطائرات الكبيرة والسريعة، بدأت دول الخليج مؤخراً بالبحث عن أنظمة تقوم بالكشف عنها والتصدي لها، خصوصاً بعد الأضرار التي تعرضت لها بعض هذه الدول كالسعودية والإمارات خلال الأعوام القليلة الماضية.
ومع الانتشار الكثيف والموسع لهذه الطائرات المختلفة، بدأ في المقابل انتشار أسواق الأنظمة الجوية المضادة للطائرات بدون طيار أو المضادة للطائرات المسيّرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى اهتمام دول الخليج باقتناء هذه الأنظمة وأهميتها في الوقت الحالي.
*السعودية وصد الطائرات
على الرغم من مضي السعودية نحو تهدئة الأجواء المحيطة بها، والتقارب مع إيران التي تنتشر أذرعها في المنطقة؛ فإنها أبرمت اتفاقية مع تركيا لشراء منظومة دفاعية جوية تتصدى لتهديدات الطائرات المسيرة.
جاء ذلك خلال توقيع شركة "أسر تكنولوجيا" التركية للصناعات الدفاعية، مع الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية، (11 سبتمبر 2023)، على عقد لتزويد المملكة بمنظومة درع الأمن الجوي "غوست" المضادة للطائرات بدون طيار.
وبحسب وكالة "الأناضول" التركية قالت نائبة المدير العام لشركة "أسر تكنولوجيا"، أصلي مراد: إن "منظومة غوست تمتلك قدرات مميزة على اكتشاف الطائرات بدون طيار من مسافات طويلة، ومنع حدوث هجمات محتملة".
وبعدها بأيام أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها نفذت مع السعودية تمريناً مشتركاً لمواجهة الطائرات المسيرة، ضمن مناورات "الرمال الحمراء 2".
وأوضحت القيادة المركزية الأمريكية في بيان لها، (14 سبتمبر 2023)، أن تمرين "الرمال الحمراء 2" سلط الضوء على التقدم الكبير الذي أحرزته الولايات المتحدة والسعودية في هزيمة الأنظمة الجوية بدون طيار، التي تشكل تهديداً من الخصوم.
وتحظى أنظمة مكافحة هجمات الطائرات المسيرة باهتمام شديد لدى السعودية خلال العامين الأخيرين، ففي مارس 2022 نظمت السعودية "معرض الدفاع العالمي" الأول في وسط الصحراء في شمال الرياض.
خلال المعرض قال الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة "أدفنسيد بروتيكشن سيستمز" البولندية، توماس كوسوفيسكي: "هناك اهتمام كبير بالأنظمة الدفاعية وأنظمة التصدي للطائرات المسيّرة" في المعرض من قبل السعودية.
*تحركات قطرية
وتعد قطر من الدول الخليجية التي اهتمت بهذا الأمر، ففي إطار تحسين قدراتها العسكرية في التعامل مع الطائرات المسيرة، ستحصل قطر على أنظمة مضادة للطائرات المسيرة ضمن صفقة مع الولايات المتحدة قيمتها مليار دولار.
ووافقت الخارجية الأمريكية، وفق بيان أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يوم 29 نوفمبر 2022، على مبيعات عسكرية لقطر تتضمن أنظمة مضادة للطائرات المسيرة.
وتتعلق الصفقة بأنظمة "إف إس ليدز" (FS-LIDS) المضادة للطائرات المسيرة ومعدات عسكرية أخرى، بالإضافة إلى برنامج تدريب.
وستحسن الصفقة، حسب وزارة الدفاع الأمريكية، قدرة قطر على مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، من خلال توفير قدرات ضد أنظمة المسيرات.
وإلى جانب الصفقة وعمل قطر على جلب أفضل أنظمة الدفاع ضد المسيرات، سبق أن نفذت قوات الدفاع الجوي الأميري القطري، في أكتوبر 2022، تمرين درع 6 (سكاي نكس) في ميدان القلايل التابع للقوات المسلحة، حيث شهد التمرين اشتباكاً مباشراً بين وحدات رماية قوات الدفاع الجوي الأميري، وبين عدد من الطائرات المسيرة ذات الجناح الثابت، وكذلك ذات الجناح المتحرك.
وخلال التمرين، أكدت وزارة الدفاع القطرية أن نسبة نجاح إصابة الأهداف بلغت 100% للأهداف جميعها في زمن ووقت قياسيين.
*الإمارات وتعزيز قدراتها
بعد صفقة طائرات قتالية مسيرة من تركيا، عززت الإمارات منظوماتها الدفاعية بمنظومة "رافائيل" الإسرائيلية المتطورة للدفاع الجوي في أول صفقة معروفة بين البلدين منذ تطبيع العلاقات بينهما في 2020.
في سبتمبر 2022، نقلت الوكالة الفرنسية عن مصدرين قولهما إن "إسرائيل" وافقت على طلب إماراتي في منتصف الصيف بتزويدها بصواريخ سبايدر الاعتراضية التي تنتجها شركة رافائيل، لكنهما امتنعا عن تقديم المزيد من التفاصيل بسبب الطبيعة الحساسة للصفقة.
وقال مصدر ثالث حينها، إن الإمارات حصلت على تكنولوجيا إسرائيلية تهدف إلى صد هجمات الطائرات المسيّرة، مثل تلك التي ضربت أبوظبي في وقت سابق من العام ذاته وتبناها المتمردون الحوثيون في اليمن.
وسبق أن قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، في يوليو 2023، إن بلاده منفتحة على أي شيء يحميها من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ ما دام أنه ذو طبيعة دفاعية ولا يستهدف دولة ثالثة.
*"غير فعالة"
مع توجه دول الخليج بوضوح للحصول على منظومات جوية لحماية أراضيها من الهجمات المسيرة، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي عبد العزيز الهداشي، أن الأنظمة المتوفرة لصد الطائرات المسيرة غير فاعلة بشكل كبير.
ويوضح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، بقوله: "لاحظنا كيف أن "إسرائيل" بكل قدراتها، وهي التي تملك زبدة الأسلحة في العالم، لم تستطع أن تسيطر على كل الطائرات التي هاجمتها بها حركة حماس في الحرب الأخيرة على غزة".
ويلفت إلى أن الأنظمة والمنظومات الدولية الحالية، "لا يمكنها صد كل الطائرات المسيرة، ولا تملك القدرة على الحد منها، باستثناء صد الطائرات الفردية المحدودة".
كما لفت إلى أن الصراع الروسي الأوكراني "أثبت فشل المنظومات الروسية في صد الطائرات المسيرة الأوكرانية، وفي مقابل ذلك فشلت كل المنظومات التي وفرتها أمريكا و"إسرائيل" ودول أوروبا لأوكرانيا في صد هجمات المسيرات الروسية".
ويعتقد أنه في الظروف الحالية الطيران المسير "لا يمكن إيقافه إلا من خلال الأسلحة الشخصية كالكلاشنكوف والرصاص المضاد للطائرات".
ويلفت إلى أن هذا الملف مهم بالنسبة للخليج، لكنه في ذات الوقت يرى أنه لا يوجد ما يحميها كلياً، خصوصاً أن الطائرات المسيرة أثبتت نجاعتها في تحقيق أهدافها في أكثر من دولة مثل ليبيا وسوريا وأذربيجان وأوكرانيا، دون تمكن المنظومات المتوفرة من صدها.
ويلفت إلى أن السعودية ودول الخليج "تحاول الحصول على المنظومات المضادة، لكن في الواقع حالياً لا يوجد أفضل من الأسلحة المعتادة، لأنه حتى الآن جميع الأنظمة الغربية لم تفلح أبداً".
المصدر: الخليج أونلاين
