أشار أحدث تقرير صادر عن معهد استوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) إلى أنّ واردات الأسلحة إلى أوروبا قد زادت بحدّة. وتحتل أوكرانيا مساحة مهمة في تداعياتها على قضية التصنيع العسكري والإنفاق عليه في السنوات المقبلة.
الإنفاق العسكري زاد للعام السابع على التوالي، وتشكل خمس دول، الولايات المتحدة والصين والهند وبريطانيا وروسيا، 62% من الإنفاق العالمي. تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بنسبة 14%، وتمثل 40% من عمليات توريد الأسلحة العالمية، ولا تزال بلا منازع تتصدّر قائمة الدول الأكثر إنفاقًا من الناحية العسكرية (أكثر من الصين ثلاث مرّات وعشرة أضعاف روسيا)، في حين دخلت الهند والسعودية في نادي الكبار. اللافت في التقرير، هو الخسائر في صادرات الأسلحة الصينية بنسبة 23%. فشلت الصين في اختراق بعض أهم أسواق الدفاع ومنافسةِ الأميركيين والأوروبيين في معظم دول الشرق الأوسط، فيما يقول علماء أميركيون إنّها تعكف على بناء صوامع للصواريخ النووية ما يعزّز القلق من مضاعفة مخزونها النووي (أزيد من 300 رأس حربي نووي).
وفقًا لأحدث البيانات في المعهد، أكثر من مائة شركة سلاح تحقّق مبيعات بـ 597 مليار دولار، والإنفاق العسكري شهد زيادات تاريخية خلال العام 2021، فقد تجاوز للمرة الأولى نحو تريليوني دولار.
شهدت أوروبا أعلى زيادة في 30 عاماً، أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة. أصبحت أكثر مستورد للأسلحة في العام 2022. الارتفاع المستمر في الإنفاق العسكري العالمي خلال السنوات العشر الأخيرة، هو علامة على أنّ العالم يعيش في عالمٍ يتزايد فيه انعدام الأمن. يتحوّل الأوروبيون الى الإستثمار أكثر في حلف شمالي الأطلسي بنحو أربعمئة وسبعين مليار دولار في الدفاع، ما يمثل 2 في المئة وأزيد من الناتج المحلي الإجمالي. والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يحذّر من "القضاء على أوروبا في حال انتصار فلاديمير بوتين في أوكرانيا".
سجلت فرنسا (المرتبة الثالثة) بزيادة أكبر نسبة 44% من الصادرات، في حين سُجِّل تراجع حاد بنسبة 3.5% من تجارة الأسلحة الألمانية، في حين لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تتصدّر الإنفاق بواقع 877 مليار دولار، تليها الصين 292 مليار، روسيا 84 مليار، ولا تزال ألمانيا في المركز السابع عالميًّا.
يظهر التقرير انخفاضًا كبيرًا بالتسلّح في أفريقيا، التي شهدت تراجعًا بنسبة 40% ، ولكن هذا لا يعني أنّ الأمور أكثر سلامًا هناك، وهناك العديد من النزاعات، وتُعدّ مالي مثالًا على تقدّم روسيا في أفريقيا، والسودان مثالًا آخر على النزاعات الداخلية. فيما احتلت تركيا المرتبة 27% فقط في الإنفاق على التسلّح من 2018 إلى 2022.
وفقًا للبيانات، يشير التقرير إلى أنّ دول الشرق الأوسط تستمر في لعب دور رئيسي في سباق التسلّح العالمي . تُظهر الأرقام أن بعض الدول العربية تشتري كميات كبيرة من الأسلحة، وتُعدّ بين أكبر المستوردين للسلاح في العالم، ولا سيما دول مثل السعودية ومصر والجزائر والإمارات، حيث تستحوذ هذه الدول على نصف قائمة أكبر عشرة مستوردين للسلاح في العالم.
تُعزَى الزيادة في الإنفاق إلى الحاجة إلى تعزيز الأمن القومي والموقف الجيوسياسي لهذه الدول، وتقوية علاقاتها بالدول العظمى المصدّرة للسلاح وصاحبة النفوذ في المنطقة، وحماية مصالحها من أيّ تهديدٍ محتمل. فتشتري الدول العربية كلّ عام ثلث أسلحة العالم، في الوقت الذي تذهب فيه نحو نصف صادرات الأسلحة الأميركية إليها، (السعودية وحدها 24% من مجمل الصادرات الأميركية، وتضاعفت واردات مصر من الأسلحة ثلاث مرّات، أكبر مستورد للأسلحة في العالم بين عامي 2015-2019).
أيضًا، تتغذّى مبيعات الأسلحة الحالية بفعل التوتر المستمر مع طهران، خاصة مع قرار الأمم المتحدة برفعِ حظر التسلّح المفروض منذ العام 2007 ، وآخر ما تحتاج إليه المنطقة هو أسلحة إيرانية جديدة تتحدّى العقوبات الصارمة عليها.
هناك أحداث متزايدة تجعل سباق التسلّح بوتيرةٍ عالية، من نوع التنافس المغربي/ الجزائري على شراء السلاح ( الجزائر 100 مليار دولار، والمغرب 40 ملياراً). كما تُغذّي النزاعات الداخلية في غير مكان صراع تسلّحٍ غير مبرّر.
سباق مجنون يشكّل تهديدًا للإنسانية والكوكب بأسره، من نوع تصريحات فلاديميربوتين، من أنه ("قد يلجأ إلى الأسلحة النووية، إذا تعرضت وحدة أراضي روسيا للتهديد، وأنّه "لا يمزح"). هذا التصريح أثار قلقًا دوليًّا، وأدى إلى تكليف فريق من المتخصّصين لتقييم المخاطر والردود، خاصة مع بروز دول تملك أسلحة نووية مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، التي صارت دولة إرهابية "خارج السيطرة" في حربها البربرية على الفلسطينيين. ونظن أنّ هناك تساؤلات حول ما إذا كان قيام تفاهم دولي حول توجيه هذه النفقات نحو الأولويات الحاسمة مثل حقوق الإنسان والصحة والتعليم والتحوّل البيئي وحول دور المجتمع الدولي في وقف الحروب المشتعلة، وتجنّب أيّ تصعيد قد يؤدي الى كوارث عالمية.