تعمل روسيا منذ زمن بعيد على النهوض بجيشها وتحديث قدراته العسكرية بما يتلاءم مع التطورات التكنولوجية، وسباق التسلح العالمي، فلذلك نجدها اليوم تحتل المرتبة الثانية عالمياً ضمن قائمة أقوى جيوش العالم، حسب تصنيف أحدث تقرير لـ«غلوبال فاير باور»، كما تنفق مليارات الدولارات سنوياً على قطاعها العسكري، وباتت تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في هذا الشأن، وفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري» 2021.ونظراً لاهتمام روسيا الفائق وسعيها الحثيث نحو بناء قوة عسكرية تضاهي في قدراتها أقوى جيوش العالم، أضحت تمتلك موسكو اليوم أساطيل عسكرية ضخمة ومتطورة في مجالات الدفاع البري والبحري والجوي، وباتت تتزاحم التقارير التي تتحدث عن صناعاتها العسكرية الحديثة وعمليات التطوير الضخمة التي تطال قطاعها العسكري.
أجرت موسكو خلال العقد الماضي عمليات تحديث وتطوير عديدة وضخمة لأهم أسلحتها الاستراتيجية، حيث شملت تلك التحديثات مختلف المجالات العسكرية، لعل من أبرزها عملية التحديث التي طالت نحو 60 بالمئة من أنظمة القاذفة الاستراتيجية الشهيرة «تو 160» (TU-160) الملقبة بـ«البجعة البيضاء»، حيث لاقت صدى واسعاً في الأوساط العسكرية حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية.
*استعراض القوة في عيد النصر
في استعراض مهيب للقوة العسكرية، قام سلاح الجو الروسي الذي يمتلك أعداداً كبيرة من الطائرات الحربية، في مايو الماضي، بالتحليق بالطائرة العملاقة في سماء الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو، بالتزامن مع احتفالات الدب الروسي بعيد النصر الـ76 الذي يصادف الـ9 من مايو من كل عام.
*تاريخ عريق ومستقبل باهر
الطائرة الأسطورة «توبوليف»«تو- 160» أو «البجعة البيضاء»، هي حاملة صواريخ وقاذفة استراتيجية فرط صوتية عابرة للقارات ذات أجنحة متعددة الأوضاع، صممت في عهد الاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة من قبل مصمم الطائرات الروسي البارز، «أندريه توبوليف»، الذي اشتهر بتصميم طائرات مدنية وعسكرية.
دخلت القاذفة الروسية عام 1987 في الخدمة بالقوات الجوية السوفييتية لتنفيذ المهام الموكلة إليها في أي نقطة على الكوكب، ولا تزال تحت الإنتاج والتحديث ولو بنسبة محدودة. كما يوجد منها على الأقل 16 قاذفة من هذا الطراز في خدمة سلاح الجو الروسي الذي يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الدرع النووية للبلاد.
ونجحت القاذفة الروسية خلال سنوات عملها في تنفيذ الكثير من المناورات العسكرية والطلعات الجوية رفقة مقاتلات حربية في العديد من دول العالم، كما شاركت في عمليات عسكرية دقيقة وقامت بقصف وتدمير العديد من الأهداف التابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا بواسطة ذخائر تقليدية.
ولا تدخر موسكو جهداً كلما سمحت لها الفرصة في استعراض قواتها والتباهي بمنتجاتها العسكرية، فنجدها تشارك بانتظام في أهم المعارض الدفاعية الجوية، وقد عرضت في العديد هذه المناسبات القاذفة الاستراتيجية العملاقة.
وتعمل وزارة الدفاع الروسية منذ سنوات على تطوير وتحديث قاذفات «Tu-160» بعدما توقف إنتاجها لفترة من الزمن، حيث تسعى لمضاعفة أسطولها من هذه الطائرات وزيادة كفاءتها بنسبة كبيرة وذلك في إطار برنامج التسليح الحكومي الروسي طويل الأمد، كما أنها تسعى من وراء مختلف عمليات التحديث إلى إطالة عمر خدمة القاذفة لمدة تتراوح بين 45 و50 عاماً، لما لها من أهمية كبيرة في سلاح الجو الروسي.
وقبل عمليات التحديث، كانت تشير العديد من التقارير إلى أن الشيء الوحيد الذي تفتقده هذه القاذفة هو تكنولوجيا «ستيلث» (Stealth aircraft) أو الشبح أي عدم القدرة على التخفي، حيث ترافقها المقاتلات لحمايتها في الطبقات الدنيا من الغلاف الجوي، لذلك اشتملت عمليات التحديث على طلاء الطائرة بمواد خاصة تجعل منها غير مرئية من قبل الرادارات. وقد حطمت القاذفة الاستراتيجية الروسية عشرات الأرقام القياسية التي تدل على قوة أدائها وتحملها.
*التسمية
بالنظر إلى لونها الأبيض المميز الذي يعكس جزءاً من الإشعاعات الحرارية للانفجارات النووية، وشكلها الخارجي النحيف، وقوتها الخارقة، يلقّب العسكريون وخبراء الطيران «تو- 160» بـ«البجعة البيضاء»، لتناسق أبعادها وأدائها «الآيروديناميكي»، فيما يسميها حلف «الناتو» «بلاك جاك» (BLACK JACK)، وقد أطلق اسم «تو – 160 إم» (TU 160M) على النسخة المحدثة من هذه القاذفة التي نجحت في اجتياز العديد من اختبارات التحديث.
*المواصفات والمميزات
تعد طائرة «توبوليف تو 160» من الطائرات متعددة زوايا انحناء الأجنحة، حيث يمكن لقائد القاذفة اختيار درجة انحناء الجناحين حسب المهمة وسرعة التحليق.
ويبلغ طول القاذفة الاستراتيجية نحو 54 متراً، أما امتداد الأجنحة الذي يرتبط بالتصميم الكلي للطائرة فيتجاوز 55.7 متر.
وتعتبر «البجعة البيضاء» في وقتنا الراهن من بين أفضل القاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى، نظراً لقدراتها الرادارية العالية، وإمكانياتها في التحليق لمسافات بعيدة تصل إلى أكثر من 8000 كلم، كما تستطيع قطع 14 ألف كيلومتر دون التزود بالوقود.
ومن أهم مميزات الطائرة أنها قابلة للتزود بالوقود في أي وقت أثناء الطيران، كما أنها مطلية بطلاء خاص يقاوم الحرارة الشديدة الناتجة عن الانفجارات.
وتصل السرعة القصوى لتحليق هذه الطائرة إلى 2200 كلم في الساعة، أما الارتفاع الأقصى فيتجاوز 16000 متر، ما يعني أنها قادرة على التحليق حتى في طبقة «الستراتوسفير» الجوية والتي تعد إحدى طبقات الجو العليا.
وتعد «البجعة البيضاء» أكبر طائرة فرط صوتية في العالم حجماً ووزناً، والأكبر من حيث قوة الدفع، كما أنها قادرة على حمل وزن قياسي من الذخائر والتسلح بالقنابل النووية والتقليدية، وبإمكانها أن تحمل عشرات الأطنان من الذخائر إلى أي مكان في العالم، مما يجعلها وسيلة فعالة لكبح جماح أي عدو محتمل، لذلك فهي الأثقل من ناحية وزن الإقلاع بين الطائرات المقاتلة، حيث وزن الإقلاع فيها يصل إلى 275 طناً.
بعد التحديث الكامل، حصلت النسخة المتطورة للقاذفة الاستراتيجية الروسية على إمكانات جديدة، أتاحت لها الحصول على معدات ملاحة إلكترونية جديدة كلياً مضادة للنيوترونات والإشعاعات النووية، وأنظمة تحكم ورادارات جديدة، وأنظمة متطورة للحرب الإلكترونية والتعامل مع التشويش الإلكتروني، فضلاً عن تزويدها بمحركات تزيد بشكل ملموس من فعاليتها القتالية.
*المحركات
تعمل القاذفة الاستراتيجية بـ4 محركات روسية نفّاثة من طراز (NK-32) من الجيل الثاني، تزيد من المدى الأقصى لطيرانها لأكثر من ألف كيلومتر.
*أنظمة التسليح
القاذفة المحدثة قادرة على حمل 12 صاروخاً مزوداً برأس نووي ليصل إجمالي ما على متنها نحو 40 طناً من الذخائر المتنوعة والصواريخ المجنحة ذات الرؤوس النووية (Kh-55)، بل حتى الصواريخ الجديدة بعيدة المدى (Kh-101)، والتي يمكنها ضرب أهدافها على مسافات تزيد على ثلاثة آلاف كلم، وبذلك تكون هذه الطائرات قادرة على ضرب الهدف دون الدخول في مجال مضاداته الجوية، كما تشير التقارير إلى أن القاذفة يمكنها أن تتسلح بالصواريخ الفرط صوتية، وأنواع مختلفة من القنابل الموجهة والعنقودية.
المصدر: مجلة الجندي