سلط الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء في أروقة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) على الأهمية الفائقة لحجم مخزون الذخائر، بالنظر لما تكشفت عنه وقائع الحرب من استهلاك كميات هائلة من الذخائر، وخاصة قذائف المدفعية.
وأفاد موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي، بأن الولايات المتحدة استفادت بالفعل من الدرس، وزادت من حجم إنتاج قذائف المدفعية، ولا سيما القذائف عيار 155 ملم، في حين يبحث الجيش الأميركي أيضاً عن طرق لتحديث عملية إنتاج قذائف المدفعية ومخزوناتها.
وذكر "بيزنس إنسايدر" أن الغرض من إنتاج قذائف جديدة هو الاستمرار في تزويد حلفاء الولايات المتحدة مثل أوكرانيا وإسرائيل بها من ناحية، ومن ناحية أخرى توفير مخزون كاف للولايات المتحدة نفسها، إذا وجدت نفسها في حرب واسعة النطاق، خاصة ضد قوة عسكرية كبرى.
ونقل الموقع عن مساعد وزير الجيش الأميركي لشؤون الاستحواذ واللوجستيات والتكنولوجيا، دوجلاس بوش قوله: "يراقب الجيش عن كثب الحرب في أوكرانيا وكيفية استخدام الذخائر، لإحاطة صناع القرار لدينا بشأن متطلباتها".
وأضاف: "بدأ الجيش منذ أكثر من عام الاستثمار في قاعدتنا الصناعية التجارية لتسريع إنتاج وزيادة مخزون القذائف عيار 155 ملم وذخائر أخرى، من أجل تلبية طلب أوكرانيا والحلفاء ومتطلبات المخزون الأميركي".
**سباق إنتاج قذائف المدفعية
ويضع الجيش الأميركي نصب عينيه أهدافاً طموحة في ما يتعلق بإنتاج الذخائر حتى على المدى القصير، مثل زيادة إنتاج القذائف عيار 155 ملم من 30 ألف قذيفة شهرياً حالياً، إلى 100 ألف قذيفة بحلول نهاية عام 2025.
ولكن الهدف الأبعد مدى يتمثل في تأمين سلسلة إمداد أقوى وعملية تصنيع للذخائر أكثر ثباتاً، سواءً على المستوى المحلي أم بالتعاون مع شركاء الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن هذا التنبه المتأخر نوعاً ما إلى أهمية الاستثمار في إنتاج الذخائر بدأ مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والكميات الهائلة من الذخائر المستهلكة فيها، والتي تشكل ضغطاً ثقيلاً على خطوط إنتاجها، إلى الحد الذي دفع حلفاء كييف إلى تزويدها بذخائر غير تقليدية مثل الذخائر العنقودية، في محاولة للحد من استنزاف مخزون الذخائر التقليدية.
ورغم أن الحرب الروسية الأوكرانية شكلت مسرحاً لظهور وتألق العديد من أنظمة الأسلحة المتقدمة، مثل صواريخ كروز بعيدة المدى "Storm Shadow/SCALP" البريطانية الفرنسية، وصواريخ "Kinzhal" الباليستية الروسية، ودبابات "Leopard" الألمانية و"Challenger" البريطانية، فإن كلاً من هذه الأنظمة سطع نجمه في مرحلة ما من الحرب، ثم أصبح مألوفاً واعتيادياً، بخلاف حرب المدفعية وأنظمتها التي، وإن كانت لا تحظى باهتمام إعلامي يضاهي ما تحظى به أنظمة أخرى، فإنها جزء أساسي بالغ الأهمية من الحرب منذ يومها الأول وحتى الآن، وفق "بيزنس إنسايدر".
وأشار الموقع إلى أن الجيش الأوكراني يعتمد بكثافة على مدافع "هاوتزر" المقطورة عيار 155 ملم و105 ملم وأنظمة المدفعية الصاروخية مثل "HIMARS"، والتي أوقعت خسائر فادحة في صفوف القوات الروسية، ولكنها في معظمها أنظمة وذخائر تتزود بها كييف من حلفائها، وتشكل بذلك ضغطاً ثقيلاً على مخزوناتهم منها.
وبدورها، تتوسع روسيا في إنتاج الذخائر بوتيرة أسرع من أوكرانيا، على الرغم من ضغط العقوبات الغربية على صناعة الدفاع الروسية، ومثل كييف تبحث روسيا عن شركاء أجانب يلبون احتياجاتها من الذخائر.
وفي سبتمبر الماضي، استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الكوري الشمالي كيم جونج أون، ويُعتقد أنهما توصلا إلى اتفاق تحصل روسيا بموجبه على ذخائر مقابل أغذية ومنتجات بترولية لكوريا الشمالية.
**استنزاف الذخائر بأوكرانيا وإسرائيل
وقال مساعد وزير الدفاع الأميركي دوجلاس بوش لصحافيين في وقت سابق من الشهر الجاري، إن واشنطن توسع وتحدث ترسانتها من ذخائر المدفعية، حيث ينصب اهتمامها بالأساس على التوسع في إنتاج وتحسين القذائف عيار 155 ملم، التي تستهلك كييف كميات ضخمة منها.
وأوضح بوش أنه عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، كانت الولايات المتحدة تنتج القذائف عيار 155 ملم بمعدل 14 ألف قذيفة شهرياً، لكنها وصلت حالياً إلى 28 ألف قذيفة شهرياً، وتتطلع إلى الوصول إلى معدل إنتاج 36 ألف قذيفة شهرياً بحلول العام المقبل، و60 ألف قذيفة شهرياً في نهايته، ثم إلى 100 ألف قذيفة شهرياً بنهاية عام 2025.
وعلق الموقع بالقول إن هذه الأرقام المذهلة بحاجة إلى تضافر عدة عوامل لتحقيقها.
ويعكف الجيش الأميركي بالفعل على زيادة قدرات التصنيع في المنشآت الحكومية القائمة، وبناء مواقع تصنيع أخرى داخل الولايات المتحدة مع شركاء تجاريين.
وفي هذا الصدد لفت بوش إلى أن "الوصول إلى هذه المعدلات الإنتاجية العالمية أمر مفيد لنا ولأطراف أخرى، يمكن أن نقدم مزيداً من الدعم لأوكرانيا وإسرائيل، ولكن يمكن أيضاً أن نعيد ملء مخزوناتنا بمعدل أسرع مما لو لم ننفق هذه الاستثمارات".
ولكن حتى مع التوسع في إنتاج ذخائر المدفعية في الولايات المتحدة، يظل التحدي قائماً في ظل استمرار أوكرانيا وإسرائيل في حربيهما.
ونبه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن الإمدادات المقدمة إلى كييف من أنظمة وذخائر المدفعية تقلصت منذ حرب إسرائيل على قطاع غزة، ولكن بوش نفى تحول أي ذخائر مدفعية مخصصة لأوكرانيا إلى إسرائيل، مؤكداً أن الولايات المتحدة سلمت إسرائيل ذخائر من مخزونات أميركية موجودة في إسرائيل نفسها، كما نقلت إليها ذخائر من المخزون في الولايات المتحدة أيضاً، ولكن ليس بكميات كبيرة.
المصدر: الشرق للأخبار